بحث
بحث متقدم

لا ادري وكان هذا الطقس يقودني إلى تلك الزاوية المهجورة
انه يقودني إلى حيث الظل ويحتجزني هناك
مازلنا في آخر الصيف ....لكن السماء تعلن تنحي الصيف عم مدينتنا ....حتى البحر على نافذتي ثار وتضاربت أمواجه وتهجم وجهه وكأنه مثلي يرفض قدوم الشتاء
لا اعلم لماذا يربطون دوما بين الشتاء ونهاية العمر....
ربما لأنني لم اعد أتقن في هذه الحياة سوى أن ارتمي في زاويتي المهجورة وحيدا ....ألاعب خصلات شعري الشائبة تارة وأطقطق أصابع يدي تارة أخرى
وكأنني أعلن التمرد على هذا الصمت الرهيب بأي صوت أقوم به ....فقط لأثبت وجودي .....
لكنها لم تكترث أبدا ...ومازالت تنسج الصوف شاردة
ومازلت أنا القابع أمامها بلا حراك كأي قطعة من أثاث منزلها أعاند التثاؤب والخمول الرهيب والنظر إليها كأنني انظر للوحة لموناليزا فانسي الوقت وينساني أمامها
وكأنها تبدو إليها أنها تنتقم مني ا وان تثار لأيامها لشبابها لعمرها معي
انه عيد زواجنا الثلاثون
كم أود أن اقتحم عالمها وأقول لها أنني ما زلت اذكر هذا اليوم بأدق التفاصيل
ولكن الخجل يمنعني .....ربما كبريائي يمنعني......
لقد نسيت هذا اليوم تسعة وعشرون عاما......
فكيف أطالبها اليوم بتذكره
وهي من ناشدتني طويلا أن أحاول تذكره لومضة فقط
ربما لم تنساه يوما
ربما هي الآن شاردة بذلك اليوم
لم أكن يوما القدوة المثلى لأي زوج
ولم أكن يوما ذلك الفارس الذي تحلم به أي امرأة
لقد أهملتها كثيرا وغبت عنها طيلة حياتنا الزوجية
والآن.........اشعر وكأنني غريب في منزلي
أو كأنني قطعة أثاث قديمة مر عليها الزمن وتكاثر الغبار فوقها لاقيمة ولا ضرر منها
كم تبدو الآن هادئة وهي تحيك الصوف لحفيدها القادم
لم اعرف يوما أولادي ......ولم افرح يوما بهم
فكيف امثل دور الفرح بقدوم حفيدي الأول لا ادري
بدأت الآن أدرك كم أنا غريب عن أولادي أيضا
حتى أنني لا اعرف أي شيء عن طموحهم ...ذوقهم
ماهي شخصيتهم......أغانيهم وأفلامهم المفضلة ...
كيف يفرحون ....وماذا يفعلون عند غضبهم
ماهي تلك الألفاظ والمسميات التي يتبادلونها مع والدتهم
وكأنها لغة خاصة غريبة عني أو ربما وكأنني القادم من كوكب آخر......
لا أجيد سوى التحديق في عيونهم وشفاههم التي تضحك حينا وتغضب حينا ......يتخيل لي أحيانا أنهم يتهامسون علي بلغتهم الخاصة .....
حتى إنني لا ادري كيف اكتسبوا تلك الأسماء
فانا لم أشارك زوجتي فرحتها بأول خطوة يخطون بها
ولم أرهم يوما بثياب المدرسة
ولم افرح معهم بسقوط أول سن من أسنانهم
ولم أتفاخر بأول حب يخفق له قلبهم
ولم استمتع لحظة بمراحل مراهقتهم ولم الحظ متى خط شاربهم لأول مرة
ترى كيف استطاعت أمهم متابعة انتقالهم من عالم الطفولة ليضحوا شبابا في عالم الرجولة
وكم كانت تفتقدني لأكون الأب الذي يرشد أبناءه بتلك المرحلة.....لقد كانت لهم الأم والأب
وكانت وراء كل خطوة يخطونها في هذه الحياة وأورثتهم شخصيتها القوية المنضبطة الهادئة ......وخجلها الشديد.....
وطيبة قلبها .....وحضورها المميز....مما جعهلم مميزون
وجعلني الغريب النادم على تلك اللحظات المتراكمة لأعبر السنين ...هل كنت وقتها أب أناني فعلا
أم أنني لم أجيد سوى الهروب والاختفاء وراء تلك الخيوط الضائعة خلف متاهات الغربة
ومهما جاهدت نفسي فانا لا أتذكر سوى عودتي من السفر والاختباء بغرفتي .....
كمشاهد سلبي يجلس أخر صف من صفوف المسرح لايعرف حتى ماهو عنوان المسرحية
وكلما حاول أبنائي إدخالي عالمهم وإبلاغي بتلك الرغبات الكثيرة التي لاحدود لها
كنت أرسلهم بغضب إلى زوجتي ....فهي المسؤولة الأولى والأخيرة في إدارة هذه الشركة الخاصة الغائب مديرها دوما
ولطالما أجادة هي دور القائدة والمسؤولة
ذلك الدور الذي احسدها عليه الآن
الم أكن وقتها نصيرا للمرأة ....وامنحها حقها بالمساواة وأكثر من المساواة.... الم يكن هو مطلب كل امرأة في هذا الكون....آم أنها مجرد شعارات وكلمات على يافطات في مهب الريح
وأكثر ما يغيظني هو ذلك الوميض الذي يشرق في أعينهم كلما دخلوا بحديث خاص بينهم مستخدمين تلك اللغة الخاصة وكأنهم بكل لحظة يعلنون لها الولاء والامتنان والشكر
أما أنا فإنني أتجنب حتى إسقاط نظري في أعينهم
أو التدخل بأي حديث خاص بينهم قد يقودني إلى هزيمة نكراء منهم
فانا أدرك تماما أن لااحد في هذا المنزل يشعر بالولاء والامتنان لي وإنني أنا من احتجز نفسه في تلك الزاوية المهجورة من حياتهم
ترى هل استطيع اليوم أن أعيد ترتيب أوراقي من جديد وتقديم طلب حضور في هذا المنزل
هل استطيع أن أتمرد على ذلك لركن المهجور والتبعثر في أرجاء حياتهم
هل استطيع أن أتناسى شيبي ووقاري والمكوث من جديد في مقاعد مدرستهم لاتهجىء من جديد تلك اللغة الخاصة التي يتكلمون بها
وهل ستسمح لي زوجتي باقتحام عالمها من جديد بعد ان أنكرته ثلاثون عاما........

يتبع باذن الله

 

بقلم :مرمر


Delicious Digg Facebook Fark MySpace