بحث
بحث متقدم
بعيداً عن نشرات الأخبار المغرضة وعن البغاء السياسي القادم من الخارج..
بعيداً عن الاغتصاب المنظم له من سنين في جسد الأمة العربية، وبعيداً عن المستتر بحلة الثورة والمهيَّأ لولادة خارطة شرق أوسطية جديدة مصابة بداء براون.. جنين محمَّل بأنقاض كانت تفوح منها رائحة شيء من تاريخ لا يفقه المغتصب به شيئاً، ملطخ بدماء نساء وأطفال وشيوخ أبرياء لم يكونوا يحلمون سوى بلحظات بعد من حياة.
 بعيداً عن كل ما سبق، تركت حواسي المتحفزة في مكانها وخرجت، في محاولة مني للهرب من أفكاري وهواجسي.. أخذت ابني الصغير في نزهة قصيرة إلى حديقة مجاورة لمنزلي، جلست قبالته أراقب البراءة المتقافزة أمامي وهو يلعب مع أقرانه بقطع بلاستيكية كبيرة يتأرجح فيها تارة وينزلق عليها تارة أخرى.. كنت أراقبه حيطة وحذراً، حيث بدأ نزهته واقفاً أمام الأرجوحة، ينتظر الوقت المناسب لاقتناصها، دون الحاجة إلى مشاحنات لا ضرورة لها. وحين نال مبتغاه، بدأ يتأرجح بتواتر مقصود، يجيد التهدئة حيناً والإسراع حيناً آخر، ويدرك تماماً مسؤوليته عن سلامة من حوله حتى في أعلى درجات تحليقه في الهواء.. شاهدته، حين سمع بكاء طفل صغير أمامه، كيف اقترب بحذر ليعرف السبب. وحين علم، ببساطة الأطفال، أنه تعثّر بجذر شجرة، قارب الأرض وارتفع عنها قليلاً، اتعظ ببديهية، ونأى عنه ما استطاع وتابع اللعب. اختار، في لعبه الكرة، أطفالاً من سنه أو أقرب إليه، رغم محاولة أحد الأطفال الأكبر سناً والأكثر حجماً الاقتراب منهم.. إلا أنهم لم يعيروه الاهتمام، وأبعدوه عنهم بفطرة الخاسر، وبفطنة أبعدتهم عن اشتباك لا بدَّ قادم إن هم أدخلوه الملعب. ثوان قليلة غافلته عيناي، بمحادثة هاتفية قصيرة أنهيتها وتابعت ملاحقته؛ حيث أصبح واقفاً بجانب متاهة بلاستيكية يراقبها ولا يجرؤ على دخولها.. اقتربت منه، عارضة عليه المساعدة، فأبى قائلا لي: إنني حتى ولو ساعدته على دخولها، فليس متأكداً من أنه يستطيع الخروج منها.. ابتسمت وعدت أدراجي أفكر: ابني الصغير ذو الأعوام الخمسة يجيد قراءة الخطوة التالية قبل أن يقدم على الأولى. بعد مضي ساعة في الحديقة معه، في محاولتي الفاشلة الابتعاد عن السياسة والأخبار، عدت من حيث اعتقدت أنني خرجت.
كلُّ ما راودني وأنا في الحديقة لم يكن مجرد حركات طفل صغير ومبالغات أمّ تمضي الوقت بها، إنما يبدو أنني لست قادرة على متابعة تفاصيل حياتي مهما صغرت، سوى بحواس متحفزة كما تركتها أمام تلفازي، فقد خرجت بها وجلست في الحديقة بها، وراقبت ابني الصغير بها. لم يكن في الحديقة دمار، ولم أشتم رائحة الجثث، ولم يكن هناك ثورة ومظاهرات وخطابات، إنما يبدو أنَّ صغارنا، في لحظات لعبهم، أعقل من بعضنا في أكثر اللحظات جدية ومسؤولية في حياتهم

                                     من مقال ل مي حايك....................................................................................................................................................
 


Delicious Digg Facebook Fark MySpace