بحث
بحث متقدم

بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا قدمت الدراما السورية للمشاهد العربي ؟!

سؤال عريض ... يحق لأي شخص يخاف على أمته ووطنه ونفسه أن يطرحه ..
سنتكلم بموضوعية وبطريقة نقدية ... لن ندخل الميولات الشخصية ولا النظرات التعصبية

في هذا العام شاهد كاتب هذه الرسالة بعضا من المسلسلات السورية ... بعين الناقد والممحص والمحلل ... لا بعين المشاهد والمستمتع
لذلك سأتحدث من داخل الأجواء وبالأمثلة والأدلة ... وسأتكلم عن أكثر المسلسلات شعبية والأعلى مشاهدة في الشارع المحيط بي على الأقل ... ولن يكون كلامي نقدياً فقط بل هناك مسلسلات جيدة تستحق المتابعة وسنعطيها حقها

أبدأ مع ما سمته بعض القنوات بالملحمة ... ! وأسميه بالتفاهة والسخافة وتشويه التاريخ ...
باب الحارة .. وهذا أهم ما شاهدته في هذه ( الملحمة ).. !
المتتبع للمسلسل سيلاحظ أشياءً غريبة لا يقبلها عقل ولا منطق ولا فكر طفل صغير

أولاً : نلاحظ أن سكان حارة الضبع هم من أولياء الله الصالحين وجميعهم يحبون البلد ويفدونه بدمائهم ، ليس بينهم ضعيف ولا متخاذل ولا خائف باستثناء حالة شاذة ( أبو بدر ) وكأن هذه الحارة هي المدينة الفاضلة ... ولو أن تاريخنا حوى أمثال أبو شهاب ومعتز وأبو حاتم .. لما بقي المستعمر الفرنسي 26 عاما ولما وصلنا إلى ما وصلنا له من تخلف وجهل وذل أورثناه إياه أهالي حارة الضبع وأمثالهم
يمكنكم أن تقرؤوا ما قاله الكواكبي الذي عاش في فترة قريبة من تلك الفترة ... ستعرفون كيف كان حال هؤلاء .. !
ثانياً : يمكننا أن نلاحظ تغير شخصية أبو حاتم الواضح بين الجزئين الأول والثاني .. وحاله في الجزء الخامس ... ويفسر ذلك بحاجة الحارة إلى بطل ...

ثالثاً : من الأخطاء التاريخية الواضحة ... ضعف المستعمر الفرنسي ... ونلاحظ جميعاً تكافؤ القوة بين الفرنسيين وأهالي الحارة ونسأل أنفسنا ... لماذا لم تستخدم فرنسا المدافع والطائرات في هجومها على الغوطة ... ! تلك الغوطة التي لم تقربها فرنسا خلال أربعة أجزاء وبقيت ملاذا للثوار ... ! عجيب ..

رابعاً : يلاحظ في هذا المسلسل عدم إبداء إي اهتمام بوقت المشاهد وفكره ... فيضيع أكثر من 70 % من الوقت في كلام فارغ بين عصام وزوجاته ... وبين أبو حاتم وبناته ... وبين النمس وتفاهاته ... وفريال ومشكلاتها مع نساء الحارة ...
ما هذه التفاهة .... هل هذه قيمة الوقت عند صناع هذا المسلسل ... ! ولكني أعجب ممن يتابعونه وينتظرونه ... !

خامساً : نلاحظ تفاهة العبارات .. والكليشات الفارغة المبالغ فيها بوضوح ... مثل ( خود وعطي ) .. وعبارت النمس ... ونلاحظ أيضا محاولة الكاتب إظهار شخصيات غريبة ومميزة وخارجة عن العادة دوما ... مثل النمس ومأمون وأبو شاكوش ومعتز ... بحركاتهم وعباراتهم ... ! حتى أن المسلسل تحول لمجرد عرض شخصيات ...
إذاً .. فلنحمد الله أن انتهت مهزلة باب الحارة ... وألخص ما قام به صناع المسلسل بكلمتين ... تشويه التاريخ وتزير الحقائق


ننتقل إلى مسلسل جديد ... ( أبو جانتي ) صاحب نسب المشاهدة الأعلى ...
أبو جانتي ... تتضمن برأيي خبثاً ... وايحاءات جنسية زادت عن حدها ... حتى أنك لتخجل أحيانا من مشاهدة بعض المقاطع مع العائلة ..
الأمثلة : مشهد ركوب الفتاة الساقطة مع ابو جانتي ... وحركاتها الجنسية المثيرة والملتوية وايضا قصة الصياد الخادشة للحياء وما يفعله أبو ليلى من تطليش وحركات فارغة لا تفيد إلا في زيادة أمثاله من هذه العبارات ... وتعليهم ما ينقصهم

ومما يلاحظ بقوة في هذا المسلسل ... كثرة الشعوذات ... والخرافات ...
مثل قصة تلك الفتاة ( ياسمين ) التي خرجت من قبرها .. وقامت بشيء مادي ملموس ... حيث أنها أخذت جاكيت أبو جانتي إلى المقبرة .. ألا يحق لنا أن نتساءل كيف يحدث هذا ... !
وأيضا قصة تلك الفلكية التي علمت بالغيب ونبأت أبو جانتي بمستقبله القريب بدقة ...
ويلاحظ أيضا تفاهة الغرض الفني وعدم وجود هدف واضح محدد للمسلسل سوى التهريج ومحاولة إضحاك المشاهد بأي وسيلة كانت
ومن المصائب التي تحدثها الدراما ... هي إلصاق بعض الأمور السيئة بشخصية بطولية مثل أبو جانتي
حتى تصبح بشكل لا شعوري من الأمور الجيدة عند المشاهد .. لأنها تخص شخصية بطولية
فمثلا أبو جانتي ... لا يجد مشكلة في مغازلة فتاة تصعد معه في التكسي ويبدي رأيه بجمال عينيها ... هل هذا من الأخلاق والدين ... ولهذا تأثير حقيقي وواضح في عقل المشاهد
ويلاحظ في هذا المسلسل كما في باب الحارة .. .إضاعة الوقت بكلام وليد مع أخت أبو جانتي
ونلاحظ تلك المشاهد التي يدخل فيها ابو ليلى إلى منزل أبو جانتي ... وبعد أن يصبح أمام أم النور ( الشخصية الجيدة ) بثوان عديدة تقوم بوضع الغطاء على رأسها .. ليعود ويسقط الغطاء عن رأسها .. ! ولا تجد حرجا في ذلك .. ومثل ذلك في كلام وليد مع أخت أبو جانتي ... والغزل وما إلى ذلك .. .وكلها أمور مستنكرة تلصق بشخصيات جميلة الصورة ... !


ننتقل إلى مسلسل أصدق ما يقال عنه أنه ( عرض للأزياء ) وهو مسلسل صبايا ... !
الذي أعتقد أن نسبة مشاهدته تناقصت عن السنة الماضية ... ولكنها للأسف موجودة ...
قال لي أحد الشبان بصراحة ... أنا أشاهد صبايا ... للإثارة ... والنظر إلى الفتيات ...
هل نلومه ؟! لأنها شاب ...وتعرض أمامه فتيات لا يلتزمن بأدنى حدود الأدب في اللباس ... !
أليس صبايا مجرد ... إثارة للشهوات ... وتخريب لعقول الشباب ... ومياعة ما بعدها مياعة
ومجرد عرض للألبسة ... والمكياج ... والديكور ... وهو بصراحة .. تشويه لصورة البنات والفتيات ... وإلصاق المياعة والتفاهة بهن
واسم المسلسل ( صبايا ) يوحي لك بأنه يقدم صورة عن الصبايا والفتيات ... وهذا كذب وافتراء

فمن بناتنا الخلوقات ... ذوات الأدب والحشمة ... منهن من يخفن على نفسية الشاب ويحاولون ألا يجعلوا من أنفسهن فتنة تسير في الشوارع وتعرض على التلفاز ...
المسلسل الأخير .. وهو المسلسل الأفضل .. والذي تضمن رسالة اجتماعية ... وأدى دوراً جيدا في المجتمع
إنه مسلسل ( وراء الشمس )... إنه المسلسل الذي أعطى صورة جميلة عن وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعنا وأبزر مشكلة قوية ... وأوضح أن لبعض هؤلاء المرضى مواهب يمكن الاستفادة منها ... وأوضح نظرة المجتمع إلى فتاة تخطأ ثم تتوب ... وكيف أنهم يستمرون في توجيه الاتهامات إليها والنظر إليها نظرة سلبية ...
عموما في المسلسل جوانب مشرقة ... وطبعاً فيه جوانب سلبية ...
ففيه نجد مشاهد الديسكو ... واللباس الغير ملائم للعرض على التلفاز ... كما نجد مشكلة أصبحت منتشرة في أغلب المسلسلات ... وهي الطرح الخاطئ لحال ذوات الحجاب .. وهذا ما نجده إذا أجرينا مقارنة بسيطة بين والدة بدرية ... ووالدة عبادة
لماذا دائماً صاحبة الحجاب تكون معذبة ... وفقيرة ... وتعيسة ... بينما تكون السيدة المرفهة و( الأكبر ) مثل والدة عبادة غير محجبة
وأي ضير سيصيب صناع المسلسل لو جعلوا والدة عبادة محجبة ... أو على الأقل أخرجوا الدين من دائرة المسلسل ولم يضعوا حجابا لوالدة بدرية ... هذا مأخذ على أغلب المسلسلات السورية ...


من أكبر الحجج التي ينطق بها مؤيدو ما تعرضنا له سابقا ... هو أن ما يعرض على التلفاز واقعاً ... وموجود بكثرة ؟
والجواب : ليس كل واقع يجوز أن يعرض ... فالإباحية واقع ... وبيوت الدعارة واقع ... فهل يجوز لنا عرض ما يحصل
وثانياً أن المشكلة في طريقة عرض الواقع ... فكما أن في الواقع جوانب مظلمة فهناك جوانب مشرقة لها الحق أن تعرض وتصبح قريبة ومحببة إلى قلوب المشاهدين فيتبعونها ... عندما نعرض الجوانب المظلمة بإطار مشرق يصبح الأمر تضليلا وخداعا
ثم أنه النهضة لا تقتضي عرض الواقع .. بالإضافة إلى أن عرض مشكلة ... بدون تقديم الحل ... لا يفيد ولا ينفع


أعتذر على الإطالة ... ولكنه موضوع يستحق الإطالة ...
فقد أساءت الدراما للمشاهد العربي .... ولم تعد تحترمه حقوقه في مشاهدة النظيف والمفيد ... ولم تعد تقدر أي قيمة لوقته ... حتى أنني قرأت مقالة نقلت من إحدى الصحف الإسرائيلية تنقد الدراما وتعتبرها فاسدة
ألا يحق لنا أن نطالب صناع الدراما في سوريا باحترام عقولنا ... وتقديم النافع والمفيد على قنواتنا ... ويحق لنا أيضا أن نلوم أبناء شعبنا ... ولي أن أسأل ... من منا شاهد مسلسل ( أنا القدس ) اليتيم الذي لم يعرض إلى على قناتي المنار وسوريا ...
هل تضاءلت قيمة لحظات شهر رمضان .. حتى صارت تضيع في ما لا يفيد ولا ينفع ولا يسمن ولا يغني من جوع
بل إن ضرره فاق نفعه ... وصارت الدراما هدامة لا بناءة إلا ما رحم ربي
إنها دعوة ... لاحترام العقول .. .والمشاركة في نهضة حقيقية ... أخي القارئ ... يقول : انظر إلى الأثر الخاص ولا تنظر إلى الأثر العام
يمكنك الآن أن تبدأ مشوار النهضة الفكرية والثقافية من نفسك ... وستجدها قريبا عمت أمتك
أرجوكم ... أمتنا بحاجة إلى أكثر من باب الحارة ... وأكثر من أبو جانتي ... أرجوكم ... ساهموا معنا في نهضة حقيقة ... فالدراما سلاح قوي فعال ... استخدموه في البناء ... ولا تجعلوه وسيلة للتدمير ...
هذه كلمات من قلب نابض بالإسلام والعروبة ... فمن وجد فيها جانب حق فلينشرها وليعممها ... لنشارك سوية في نهضة أمة أنهكها التخلف وأتعبها الجهل وألمها طول السبات....

 

Delicious Digg Facebook Fark MySpace