بحث
بحث متقدم
Category: قصة

...

أنت تحبه... وهو يحبك... ولكن كل بطريقته فكيف تلتقيان ؟؟ المحافظة على هذا الحب إذن بأن لا تلتقيا ؟؟


لم يكن طريقي إلى تلك المدينة الساحلية بالطويل جداً.. ربما لا يتجاوز الثلاث ساعات و نصف الساعة .ولكنه كان إلى حد كبير متطاولاً أو بمعنى آخر استغرق حيزاً زمنياً في روحي جعلته أشبه برحلة من بلاد الفرس إلى بلاد الإغريق في عصور ما قبل التاريخ.... أذكر أن الحافلة التي استقليتها كانت بيضاء أو ربما زرقاء- بلون أحلامي البحرية- وما إن عبرت بي بوابات حلب حتى رف قلبي..... رف بصورة تفوق الطبيعية
نعم كنت على موعد..... ولكن هل أفاجئكم إذا قلت لكم أنني شعرت أن اللقاء سيكون بلا لقاء, أو أن من أنا ذاهبة لألتقيه لن أجده؟؟ ربما من الأفضل لي أن لا أدخل في الحديث المر وأن أصمت لكنني أصر أن هنالك أشياء إن لم نقلها تقتلنا....
امتد الطريق وامتدت الخضرة جنات على مد النظر والجبال- لا أدري لماذا أحسستها منحنية الظهر منكسرة القلب وليست شامخة كما عهدتها- ألوان تحرك كوامن النفس وتستثير في العين رغبة بالبكاء طويلاً....
كنت حزينة.... سعيدة في وقت واحد لا أدرك اختلاط مشاعري ونظرت إلى ساعتي برهة لا أدري لماذا رأيتها ما تزال متوقفة على الرابعة والنصف؟؟ وهي ساعة مغادرتي حلب نظرت إلى ساعة الباص لأظفر بذات النتيجة هل تتآمر هذه الساعات الحمقاء ضدي ؟وترفض أن تشعرني بمرور الزمن؟ كم أخاف على نفسي من الجنون .. رأيت من بعيد منازل جبل الأربعين مما يعني أن الوقت الذي مر لا بد وأنه قد تجاوز الساعة , ولكنني مازلت هنا على مقعدي وساعتي مازالت متوقفة مكانها... لا لم أكن على مقعدي وإنما حولتني الأنغام الداخلية إلى كومة من الريش الملون المضيء وطرت من بين عشرات الجالسين حولي وخرجت من كوة في أعلى سقف الباص- لا بد وأن من اخترعها قد صممها لأجلي أنا بالذات وكي أحلق منها كلما أصابني الملل من الحالات البدائية التي تنتابني دائماً- وحلقت في الفضاء الواسع, رحلت إلى أمكنة بعيدة, وعانقت وجوهاً هربت مني في شوارع الزمن واختفت.... وإلى مغاور ذاتي وقد بدأت أنبش عنها الصدأ لأستخرج من أعماقي أردية الحب التي طال هجري لارتدائها؟..
وحلمت بالمطر ... لأرى زخات منه على زجاج النافذة وتمنيت أن أنثر شعري لأمشي تحته بكل جنوني وفوضويتي وأشيائي الثمينة - قلب طيب,, روح دافئة ,,صدر حان,, وبضع كلمات بلون البحر- وآه يا بحر كم أشتاقك .....ولكنني أخشى أن تنقل حكايات حزني وألمي إلى البحارة والصيادين آه يا بحر كم أتوق أن تغمرني برمال شاطئك وأبكي هناك بلا حدود كما لم أبك من قبل هل من أحد- يحضر لي البحر كي أستريح إني أحبه حتى التعب- والتفت حولي لأرى وجوهاً متعبة منهكة إلى أين يسافر هؤلاء المرهقون؟ وماذا ينشدون هل ينشدون الراحة؟ أم أنهم مثلي يبحثون عن وجوه يفتقدونها؟ وأخيراً داعبت أنفي رائحة البحر ...ودغدغ جسدي هواؤه الرائع... ثبتت نفسي على المقعد كي لا أطير مع أول نسمة ,ورأيت المدينة تلوح لي مرحبة ...ها أنا أقترب إذن كنت مهيأة نفسياً- رغم إيماني بإحساسي الذي يخبرني أنني لن أجده - لمعانقته وتقبيله والأنين طويلاً على صدره......... لقد اشتقته حقاً.......... وهاهي المسافة تقصر تطول تقصر و تقصر ووصلت...... وجوه أعرفها ووجوه لا أعرفها كانت في استقبالي ومن ذهبت لأجله كان هناك ولم يكن؟؟؟؟ يااااه لقد صدق إحساسي للمرة المليون.... رأيته ولم أره... لم يعانقني كعادته.... لم يقبلني على جبيني.... بل مد يده ليصافحني ببرود, بخوف ,وربما بجفاء؟
سأقول لكم بماذا شعرت حينها؟ رغم تباعده وغرابته شعرت أنني وصلت معه إلى أقصى حد من الإحساس الحقيقي....
ليس لأن ما بقلبي نحوه يتجاوز كونه الأقرب ....وليس لأنه يشبهني ببدويته وأصالته..... وليس لأنه جميل الروح كريم النفس .....بل لأنه أوصل لي ما يجب أن يصل منذ عصور- كل ما مضى هراء-
ومشينا.... ومباشرة للقاء البحر وجهاً لوجه_ تعال وخذني يا بحر إليك_
_
تعال فاليابسة لم تعد تتسع لأحلامي اليتيمة المقيدة_ دمية أصبحت... أتحرك وأتكلم.... دون أن أعي شيئاً وأسمع صراخات البحر" أيتها الفينيقية العتيقة جذورك هنا وأنت هنا أيتها الجميلة كعطري العنيفة كأمواجي العنيدة كملحي تعالي"
ولم أستجب نداءاته المتوسلة ...ونداءات روحي للاستجابة

كنت في حالة أشبه بالغياب ...غياب الإدراك ...وغياب الحالة الجسدية الطبيعية, نوع من هالات الغباء, أو ربما العفوية الطفولية... وربما ....وربما
ولا أدري كيف أدركني اليوم التالي بعد سهرة امتدت بنا حتى اقتراب الفجر على الشاطئ الذي شهد ضحكاتنا وآمالنا وكلماتنا الزرقاء؟؟ وأدركتني لحظة الرحيل... كنا نمشي جنباً إلى جنب وهو يوصلني إلى الكراج.... تبادلنا من العبارات التافهة ما يملؤ صفحات... ومن الكلمات الباردة ما يجعل الزئبق يتجمد؟ ورأيت الشمس التي كانت على وشك الغروب لتذكرني بغروبي الداخلي... أسرتني وجعلتني أنسى أنه بقربي.... وأنسى مسير الدنيا من حولي شغلتني حتى تلاشت تماماً وراء الأفق... وحبست دموعي حبستها... وحبستها وقررت الرحيل عن تلك المدينة الطريفة البريئة تلك التي تشدني إليها كلما رحلت... وأينما كنت... أرحل منها إليها... أغادرها ولكنني أجدني أبداً راجعة... وودعتني المدينة البحرية بوجه دامع غسله المطر, صفعتني يد الريح الباردة على خدي الأيمن فأدرت لها الأيسر, لملمت نفسي داخل ملابسي... وشعرت بأنني سلحفاة أضاعت صدفتها وركضت عارية لتنجو بنفسها من البرد القارس؟ تأملت المكان بشيء من العزاء - حب جارف ولكن مؤقت- غادرت وألم الفراق يعتصرني... إذ قد لا أعود ثانية ...وقد أعود... وسيبقى المكان هنا؟ قد أنسى ....وقد ينسى.... ولكنني تركت أصابعي في راحة يده كي يكون للوداع طعم الشوق الحقيقي ....داريت الرغبة الكبيرة بالبكاء حتى تحرك الباص... فانفجرت رغماً عني آهات وذكريات وأمنيات أن يسعد في دنياه ويلاقي كل الخير والراحة والاطمئنان ...وأن أظل في حياته ذكرى جميلة لشمس لما تغرب بعد...