بحث
بحث متقدم
Category: ثقافية

تدل الصياغة اللغوية أنها ذات مضمون ديناميكي يشير إلى عملية مستمرة من التحول والتغير، و ينظر على أنها اتجاه متنام يصبح معه العالم دائرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية واحدة تتلاشى في داخلها الحدود بين الدول.

يرى د. اسماعيل صبري عبد الله أن العولمة هي: التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيداة أو انتماء إلى وطن محدد أو إلى دولة معينة وهي درجة من درجات تطور النظام الرأسمالي العالمي.

ويركز د. مصطفى محمود في مفهومه للعولمة على أنها مصطلح بدأ لينتهي بتفريغ المواطن من وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي، بحيث لا يبقى منه إلا خادم للقوى الكبرى.

 

المفهوم التاريخي للعولمة:

علماء التاريخ يقولون: إن العولمة ليست ظاهرة جديدة بل إن بداياتها الأولى ترجع إلى نهاية القرن السادس عشر مع بدء الاستعمار الغربي لآسيا وأفريقيا والأمريكيتن، فالعولمة ما هي إلا لفظ جديد لظاهرة قديمة نشأت في دنيا أصبحت في حجم قرية الكترونية صغيرة ترابطت بالأقمار الصناعية والاتصالات الفضائية وقنوات التلفزيون الدولي، وهذا لا يعني أن العولمة مصطلح مرادف للأمركة أو أنها ظهرت تحت تأثير أمة معينة أو فرضت وفقاً لمشيئة زعيم سياسي معين، على الرغم من أن العالم قد نسي عبارة الرئيس الأمريكي روزفلت في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما قال: الآن يجب أمركة العالم.

لكنها تحققت بفعل مجموعة من العوامل والتطورات السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية التي أفرزتها عبر العقود الماضية قوى التطور والتغيير التي تنتمي إلى تراث البشرية بأكملها.

 

المفهوم السياسي للعولمة:

تعني أن الدولة لا تكون هي الفاعل الوحيد على المسرح السياسي العالمي ولكن توجد إلى جانبها هيئات متعددة الجنسيات ومنظمات عالمية وجماعات دولية وغيرها من التنظيمات الفاعلة التي تسعى إلى تحقيق مزيد من الترابط والتداخل والتعاون والاندماج الدولي، فالدول قد تكون ذات سيادة من الناحية القانونية ولكن من الناحية العملية قد تضطر إلى التفاوض مع جميع الفعاليات الدولية، مما ينتج منه أن حريتها في التصرف بحسب مشيئتها تصبح ناقصة ومقيدة.

فإن العولمة من المنظور السياسي هي نقل لسلطة الدولة واختصاصاتها إلى مؤسسات عالمية تتولى تسيير العالم وتوجيهه وهي بذلك تحل محل الدولة وتهيمن عليها.

ومن علماء السياسة يرى ضرورة فك الاشتباك بين العولمة والهيمنة، إذ يرى هؤلاء أن العولمة عملية تطور تاريخي موضوعي لا نملك إلا الاستجابة إليها، بينما الهيمنة وهي إيديولوجيا العولمة هي ما يجب أن نحاربه على اعتبار أن الهيمنة انتعاش لموازين القوى السياسية والاقتصادية في العالم لصالح قطب واحد يرى أن يفرض سياسات يسير الكل في ركابها.

 

المفهوم الاقتصادي للعولمة:

يشير مفهوم العولمة من المنظور الاقتصادي إلى تحول العالم إلى منظومة من العلاقات الاقتصادية المتشابكة التي تزداد تعقيداً لتحقيق سيادة نظام اقتصادي واحد، فيه يتبادل العالم الاعتماد بعضه على بعضه الآخر في كل من الخامات والسلع والمنتجات والأسواق ورؤوس الأموال والعمالة والخبرة، حيث لا قيمة لرؤوس الأموال من دون استثمارات، ولا قيمة للسلع دون أسواق تستهلكها.

والعولمة هي صناعة الأسواق التي تضمن عالمية التصدير والاستيراد.

 

المفهوم الثقافي للعولمة:

ارتبط المفهوم الثقافي للعولمة بفكرة التنميط أو التوحيد الثقافي للعالم، حيث أن التنميط أو التوحيد الثقافي هو مرآة التطور الاقتصادي للعولمة، فمن البديهي أن يتكامل البناء الثقافي للإنسانية  مع البناء الاقتصادي المعلوماتي، ومن هنا اتخذ المفهوم الثقافي للعولمة بعداً اقتصادياً وإعلامياً، حيث الإعلام هو أداة التوصيل والتأثير بالأفكار الثقافية التي يراد لها الذيوع والانتشار.

ويقف المعارضون لثقافة العولمة على اعتبار أنها تسعى إلى طغيان ثقافة عالمية واحدة على الثقافات القومية والمحلية المتعددة بما يشكل خطراً على خصوصياتها، ومن هنا جاءت الدعوة إلى محاربتها والتصدي لها بإحياء الذاكرة التاريخية وترقية مناهج التعليم والتمسك بقيم الدين.

وبرز اتجاه ثالث نظر إلى القضية من زاوية التفاعل بين الثقافات بحيث تكون الثقافات الوطنية مزيجاً من ثقافة دولية تحترم المعاصرة وثقافة محلية تحافظ على الأصول والمنابع،  فعلى سبيل المثال: إن الثقافة الآسيوية لها قواسمها المشتركة، إلا أن لها أيضاً خصوصياتها التي تميز الثقافة اليابانية من الثقافة الصينية من الكورية.

ويرى اتجاه رابع أن اتجاهات العولمة تهدف بالضرورة إلى محو الهويات الثقافية المتعددة، لأن العولمة حتى تفرض نفسها ليست بحاجة إلى فرض نظام ثقافي معين على كل أنحاء العالم، كما أنه من المستحيل محو التعددية والخصوصية الثقافية، فالثقافات تنشأ وتتطور وتزداد فاعليتها في مراحل المد التاريخي، وتذوي وتضعف في عهود الانحسار والتراجع، إلا أنها مع ذلك تبقى وتستمر وإن كانت تتغير مع الزمن

فالعولمة لن تستطيع إلغاء تميز الثقافات لأن أي شعب له حضارة وثقافة وقيم خاصة به، يستطيع أن ينتقي من الثقافات الأخرى، أما الذي يأخذ ثقافة الآخر بقدرها فليس عنده أصلاً ثقافة أو حضارة أو قيم.

 

Delicious Digg Facebook Fark MySpace