قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه لما خطرت له بباب المسجد
فسلبت منه دينه ويقينه وتركته في حيرة لا يهتدي
ردي عليه صلاته وقيامه لا تقتليه بحق دين محمد
ولكن .. ما حكاية هذه الأبيات?..
يحكي أن تاجراً عراقياً جاء إلى المدينة المنورة في الحجاز , ومعه خمرٌ من مختلف الألوان وعرضها للبيع فبيعت جميعها إلا الخمر السوداء كسدت عنده فشكى الأمر إلى صديقه الشاعر ربيعة بن عامر الذي كان يلقب بالدارمي وكان هذا الأخير قد ترك الشعر وتنسك ولزم المسجد ولما سمع قصة صديقه التاجر العراقي نظم له هذه الأبيات ودفع بها إلى مغن صديق له فغناها وشاعت في المدينة فقال الناس أن الدارمي عشق صاحبه الخمار الأسود. فلم تبق مليحة في المدينة إلا واشترت خماراً أسودهوباع التاجر كل مالديه من خمر سوداء أم الدارمي فعاد إلى زهده وهكذا ظهر أول إعلان تجاري
انقطع ربيعه بن عامر والملقب بـ “مسكين الدرامي” إلى الزهد والعبادة ، والاتصال بالملأ الأعلى عابدا قد هجر الشعر و الشعراء.
في عهد انعزاله قدم تاجر إلى المدينة يبيع خُمر النساء حيث يسترن وجوههن بها فباعها كلها إلا السود فخاف الخسران والعودة بخفي حنين فأشارت عليه جماعة من الناس : لا يساعدك في بيعها إلا مسكين الدرامي الشاعر الشهير بالصوت الجميل. توجه التاجر إلى ربيعة وقص عليه قصته فأجابه المسكين الدرامي بأنه قد هجر الشعر وانقطع للعبادة. حزن التاجر واغتم بسبب كساد بضاعته ، وحين رأه مهموم صعب عليه أمر الرجل فغادر المسجد وقد استعاد شكل الشاعر القديم بإهابه و خطابه مجلجلا بصوت صخب الناس الذين فوجئوا به بينهم ينشد شعرا :
قل للمليحة بالخمار الأسود
……ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبـــــد
قد كان شمــر للصلاة ثيابـــه
……حتي وقفت له بباب المسجــد
ردي عليه صلاته وصيامـــــه
……لا تقتليه بحق رب محمــــد
بعد هذه الأبيات انتشر بين الناس أن الدرامي قد أحب امرأة ذات خمار أسود ، وأنه قد عاد لتعاطي الشعر
فخرجت نساء المدينة تطلب الخمار الأسود حتى نفذت بضاعة التاجر بأضعاف ثمنها ، عند ذلك عاد إلى بلده مجبورا خاطره.
قصة هذه المقطوعة المكونة من بيتين أو ثلاثة كما أوردها صاحب الأغاني ( 3 / 45 ) أن تاجرا من أهل الكوفة قدم المدينة بأخمرة نسائية فباعها كلها , وبقيت السود منها لم تنفق , وكان صديقا للدارمي المغني الشاعر , المشهور بين أهل مكة بالظرف فشكا عليه ذلك الكساد الذي أصاب مسافعه السود , لعله يجد سبيلا لإنفاذها وكان الدارمي قد تنسك وترك الغناء وقول الشعر , ولكنه إزاء إلحاح صديقه هداه تفكيره إلى القيام بعمل إعلان شعري غنائي للخمر ’ حتى يتم بيعها وإقبال النساء عليها , ثم يعود إلى تنسكه الذي كان عليه فقال :
قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا صنعت بزاهد متعبـد ؟
قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى وقفت له بباب المسجد .
ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق ديـن محمـد
وغنى في الأبيات صوتا رائعا شاع في الناس أمره , فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خمارا أسود . حتى نفذ كل ماعند العراقي منها .. ورجع الدارمي إلى نسكه .
وإذا كانت الأبيات قد اجتذبت قلوب النساء للشراء , فقد لقيت رواجا عند أصحاب الإعلانات .. وأكد عمليا كيفية التآخي بين النشاط الأدبي والنشاط الاقتصادي , , كما أثار هذان البيتان إعجاب الشعراء في الأجيال اللا حقة فقاموا بمعارضتها بغية المماثلة أو التفوق عليهما مغيرين في الألوان بما يتناسب مع أذواقهم , أو بما تقترحه إحدى الملاح , أو مبقين على اللون الأسود.ولقد قرأت أن هذه الأبيات تعتبرأول إعلان في التاريخ كان في شكل بيت من الشعر نظمه الشاعر ربيعة بن عامر الملقب بالدرامي فقد حضر إليه أحد التجار يشكو نفاذ كل الخمارات التي يبيعها عدا السوداء فلم يشتريها أحد منه .. فنظم الشاعر قصيدة و أرسلها لأحد الشعراء ليتغنى بها .. و كتب في مطلعها :ـ قل للمليحة في الخمار الأسود .. ماذا فعلت بناسك متعبد . ,,, ولما انتشرت هذه القصيدة لم تبقى واحدة لم تشتر خمار أسود فنفذت كل الخمارات لدى التاجر بل أنه باعها بسعر مرتفع ..
مجاراة أحمد بخيت لهذه الأبيات, أروع من الأبيات أصلا. يقول:
بيضاء يا وجع الخمار الأسود…سمّرتِ أقدامي بباب المسجدِ
كم فتنة في الأرض كيف تنزّلت…حور الجنان لناسك متعبّد
لي موعد في الله كدت أضيعه…ليقدّ من قبل قميص المهتدي
سكر الهوى حولي و أسكرني الهوى…فوقفت لا قدمي عرفت ولا يدي
ماست خطاك فمسّني ما مسّني…لولا تقاي لقلت جئت لتعبدي
جرّي العباءة فالقلوب أساور…وعيوننا في الجيد عقد زمرّد
و النّاس إمّا ملهم أو شاعر…و لقد خلقت لتلهمي و لتحسدي
رفقا بأهل الأرض رفقا بالسّما…بتنهّد النّجمات إن تتنهّدي
رفقا بنفسك بالجمال متوّجا…بأنوثة فيها نضلّ و نهتدي
مستعصمٌ قلبي بحب محمد…لا تفتنيه بحق رب محمد
لم أسمع أجمل من هذا القول
الشاعر لم يقصد المراة بحد ذاتها في هذه القصيدة يا سادتي
بل كانت نتيجة طلب أحد التجار في عصره أن يقوم بالدعاية له في تلك الفترة
حيث كانت النسوة تحب جميع الألوان الزاهية و لم يحببن اللون الأسود في ثيابهن
وكان التاجر قد اشترى هذه البضاعة و أراد من الشاعر أن يخدمه بالدعاية و قد كان الشعر في أيامهم لغة العصر……و هنا نتجت هذه القصيدة
عذرا لتدخلي سادتي لكنني أحببت مشاركتكم بهذه المعلومة
يقال أن هذه الأبيات كتبها شاعر في العصر العباسي في بغداد بناءاً على طلب من صديقه تاجر الأقمشة الذي باع كل ما يملك من خمارات عدا تلك ذات اللون الأسود، فنظم ذاك الشاعر هذه الأبيات والتي وجدت صداها لدى نساء المدينة، اللائي أدركن تأثير الخمار ذي اللون الأسود على ناسك متعبد، فما بالك بعباد الله التائهين، فباع التاجر كل ما لديه من خمارات سود، وبقيت لنا الأبيات..
وسط البلد ليسوا افضل من تُسمع منهم تلك الأبيات، فهم يغنونها كأنهم تعلموا العربية في وقت قريب، أنصح بسماعها بصوت صباح فخري مثلاً