بحث
بحث متقدم

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

معجزات بليغات
ومن بين أعظم سور القرآن بياناً لهذه الحقيقة الناصعة سورة الكهف التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها عصمة من فتنة الدجال فيما صح من أخبار لما فيها من آيات بينات ومعجزات بليغات، وفي هذا المقال الموجز سوف نقتصر على بعض من هذه الآيات التي أثبتها العلم الحديث بما كان في حكم المستحيل معرفتها بالوسائل العلمية على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو حد الإعجاز في القرآن. ففي قوله تعالى في سورة الكهف: {$وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } [الكهف: 17 - 18].



دلالات عميقة
ففي هاتين الآيتين الكريمتين من المعجزات العلمية ما يدير الرؤوس وتخشع له القلوب لمن أبصر ووعى وبيان ذلك ما يلي:
أولاً قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ }، فيه بيان معجزة طبية بينها الطب المعاصر حول الأشعة فوق البنفسجية (Ullravialet) التي تصدرها الشمس وهي تبلغ أشد حالاتها كثافة عندما تتعامد الشمس على الأرض وقت الظهيرة، ولها أثر ضار على أجساد البشر؛ ولذا سن الإسلام القيلولة وقت الظهيرة، والآية مصرحة بأن أهل الكهف كانوا في فجوة منه تحميهم من الأثر المدمر لهذه الأشعة طوال ثلاثمائة عام هم فيها رقود، وقد ظهر ذلك من لفظين: { تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ }: أي مالت وانحرفت عن الكهف، و{ تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ }: أي تجاوزهم وتتركهم على شمالها. ومن جمله اللفظية مع اللفظ الثالث وهو قوله تعالى: { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ }، ما يدل على غاية البيان بحمايتهم من الأثر المهلك للأشعة فوق البنفسجية.



فوائد طبية
للشمس في الصباح والمساء من الفوائد الجليلة للجلد البشري ما أجمع عليه أهل الطب، حيث تقرر أن هذه الأشعة فوق البنفسجية إذا كانت بجرعات طفيفة قليلة كانت حافزاً قوياً على حماية الجسم، بل واستنهاض تكوين فيتامين "د" عن طريق عمليات كيميائية معقدة تنتهي بتقوية العظام والهيكل العظمي عن طريق تضافر ثلاثة عناصر لا غنى عن واحد منها:
(1) أشعة الشمس الهادئة في الصباح أو المساء.
(2) فيتامين "د" الذي يتم تحريكه عن طريق هذه الأشعة ومسها للجسم.
(3) عنصر الكالسيوم الأساس لتكوين العظام في الجسم.
فالآية باختصار تنبهنا بوضوح على هذه الحقيقة العلمية وهي أن الشمس إنما كانت تمس الكهف مساً رقيقاً لتمام العمليات الحيوية لمن فيه مع الحماية التامة من أثرها المهلك في حالة ما إذا ضربت الكهف بقوة كافية لاحتراق أجساد أهل الكهف.
وهذه حقيقة معاصرة يعرفها اليوم كل الأطباء، بل ومن أصيب أطفالهم بمرض الكساح أو لين العظام، حيث يعتبر تعريض الطفل للشمس الهادئة صباحاً ومساءً أحد العناصر الرئيسة لعلاج هذا المرض وتقوية عظام الأطفال، ومن هنا قال الله تعالى: { ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }.



الفائدة الصحية للتقليب
المعجزة الثانية في قوله تعالى: { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ }، وهو ظاهر ومجمع عليه اليوم في جميع أقسام جراحة المخ والأعصاب أو الأمراض الباطنية في العالم، حيث دأب الأطباء على تقليب المرضى المصابين بعاهات عصبية مزمنة كالشلل التام أو الشلل النصفي أو حتى من اضطروا لأسباب جراحية أو مرضية للبقاء في أسرَّتهم في المستشفيات لفترات طويلة، فلا غنى لهؤلاء جميعاً عن التقليب على الأجناب حماية لهم من مرض عضال ناجم عن الالتصاق دون حركة لفترات طويلة وهو "تقرحات الفراش" (Bed Sores) وهي قرحات بشعة يتآكل معها الجلد وما تحته من أنسجة حتى يبلغ العظام في حالة الإهمال الجسيم وتجاهل هذه الحقيقة وهي التقليب ذات اليمين وذات الشمال، وإن الالتفات الدقيق لهذه الحقيقة العلمية الطبية جازم يأتي قول من لا تخفى عليه خافية، كما أن هذا التقليب كان محتماً حتى تبقى الأجساد على حالتها دون أن تتآكل أو تتقرح توطئة لبعثهم الذي وعد الله تعالى به.



خصائص جلد الإنسان
قوله تعالى: {وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ }، ظاهر في أن عملية التقليب التي كانت مستمرة في أهل الكهف لم يكن يشاركهم فيها كلبهم لأنه بقي باسطاً ذراعيه بالوصيد أي أنه لا يتقلب، وفيها حقيقة علمية أخرى تفرق بين جلود البشر وجلود الحيوانات، حيث لا يحتاج جلد الحيوان للتقليب وذلك لصلابته وقوته، ومن المعلوم أن الناس يصنعون الحقائب القوية والأحذية المتينة من جلود بعض الحيوانات، فدلت الآية بوضوح على هذه الحقيقة وهي الفرق بين أثر الأرض على جلد الحيوان وجلد الإنسان، وهذا التفصيل لم يكن معلوماً ولا ملحوظاً، بل ولا حاجة لذكره أصلاً ما دامت القصة كلها مغرقة في غرابتها، ولكن القرآن العظيم أبدى هذه الحقيقة لبيان أن القصّة كلها إنما هي حقيقة كبرى عرضها القرآن تذكرة وعِبرة لمن يخشى.



الفرار والرعب
قوله تعالى: { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }، قال أهل التفسير: رغم أن الرعب يكون أولاً ثم يعقبه الفرار، ولكن جاءت هكذا في القرآن الكريم لأن حرف "الواو" العطف لا يفيد ترتيباً ولا تعقيباً، بل يفيد مطلق الجمع، أي جمع المعلومات دون ترتيب لها. ولكن العلم الطبي المعاصر قد حسم هذا الأمر بأن الرعب يكون على نوعين: نوع معتاد أي الخوف من شيء يعتاده الناس ويعلمونه كالخوف من الأسد أو النمر أو العقرب وغيره، فهذا يكون الخوف أولاً ثم الهروب نظراً للعلم والمعرفة لما يخاف منه، وأما الخوف الآخر وهذا الخوف العظيم من شيء مجهول لا علم به ولا معرفة له قبل ذلك كالخوف من الجن أو الخيالات الغامضة أو الأشياء المهولة المرعبة التي تدور في خيال الناس، فهذا الخوف الهائل يكون فيه الهروب أولاً ثم التفكر بعده في سبب هذا الهروب وهو المعروف في الفسيولوجي برد الفعل التلقائي اللاإرادي (relex)



فيض المعجزات
فبيّن القرآن الكريم أن النوع الذي سيحدث بالاطلاع على أهل الكهف من الخوف العظيم الذي لا معرفة لكم بمثله. وهذا التفريق بين هذين النوعين وتقرير نوع واحد مع سرد الآية لترتيب الخوف والهروب دال دون مرية على علم عميق بأصول علم الفسيولوجي، كما يتبين من قبل من أصول علم الجراحة والطب والأشعة والجلدية وعلم الحيوان، وهذا كله من العلوم الجمَّة المترامية في آيتين فقط من آيات هذه السورة البليغة العاصمة من أعظم الفتن، فكيف والقرآن كالبحر اللجي من فيض المعجزات والآيات وسبحان الذي قال: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } صدق الله العظيم
.


Delicious Digg Facebook Fark MySpace