بحث
بحث متقدم

 

فرسان الجزيرة
فانتازيا تاريخية
للدكتور هواش نصر الصالح-جميع الحقوق محفوظة
 
 
أحست قبيلة عبس أن الهزيمة مصيرها في هذه المعركة الدائرة رحاها على أرضها إذ تعرضت للغزو على قبيلة الأعداء.فما كان من شيخ القبيلة قيس بن زهير إلا أن استدعى إليه شداد و قال له: عليك تحميس عنترة فلا أرى سواه منقذا لنا.
وهكذا قصد شداد ابنه عنترة على وجه السرعة و صاح به: انهض يا عنترة لصد الغزو و كسر الأعداء
.فأجابه عنترة: إنما أنا عبد لا أحسن إلا حلب النوق.فبادره شداد بالقول: خذ سيفي و رمحي و الحصان الابجر و هب للذود عن الحمى و المكافأة ستكون اعترافي بك ابنا و إعتاقي لك من العبودية. لبى عنترة نداء الواجب و نهض لقتال الأعداء و هو ينشد
 
كم مهمه قفر بنفسي خضته……… و مفاوز جاوزتها بالأبجر
و كان النصر لقبيلة عبس على الأعداء . و في الاحتفال الذي أقيم على شرف النصر بادر عنترة أباه الذي كان يجلس بجانبه
و قال: إني عاشق لابنة عمي عبلة و قد قلت فيها
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك………………….إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة إنني………….أغشى الوغى و اعف عند المغنم
و لقد ذكرتك و الرماح نواهل ……….مني و بيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها ……………….لمعت كبارق ثغرك المتبسم
فهل تذهب معي غدا لخطبتها
فأجابه شداد و هو يبتسم: أفعل يا فارسي و فارس بني عبس
-----------------------------------------------------------------------------------------
رسان الجزيرة
فانتازيا تاريخية
الحلقة الثانية
——————
طلب مالك بن قراد من عنترة مهرا لابنته مئة من النوق العصافير و قال مبررا: تعلم يا عنترة ان خولة أخت عبلة قد تزوجها قيس بن زهير و قد دفع مهرا لها مئة من الخيول العربية الاصيلة و أنت ستصبح عديلا لشيخ القبيلة
تساءل عنترة: و ماهي النوق العصافير و اين توجد
اجاب مالك: هي التي تسابق الريح ان حثثتها على الجري بسرعة و لا توجد الا عند الملك النعمان ملك الحيرة
 
خرج عنترة مهموما حزينا و أخذ يسوق الابجر على
غير هدى فما ان آذنت الشمس على المغيب حتى
دلف الى غابة يجهلها و يجهل ما فيها و ما ان اقترب من مضارب وسط الغابة مليئة بالحراسة المشددة حتى انقض عليه أربعة من الرجال.لم يعلم من أين هبطوا عليه و تمكنوا منه بالحركات الرشيقة و ضربات اشبه بضربات الجودو و الكاراتيه .و لم يشعر بنفسه الا موثقا بالأغلال مع حارس ينتظر اذن حارس آخر للمثول أمام قائد المعسكر .و تناهت الى أذنيه أبيات من الشعر يقولها القائد على ما يبدو لزوجته
أقلي علي اللوم يا ابنة منذر و نامي وان لم تشته النوم فاسهري
لقد عرف صاحب الصوت انه صديقه الفارس عروة بن الورد العبسي و تساءل في قرارة نفسه: أيكون عروة قائد هذه الكتيبة الفذة من الفرسان المقاتلين الأشاوس. أأكون أنا في معسكر الفتيان الذي طالما سمعت عنه و عن فتيانه الذين يغيرون على المحتلين الروم في بلاد الشام فيغنمون ما يغنموه ثم يوزعوه على فقراء العرب و مساكينهم و لم يطل به الانتظار لمعرفة الحقيقة فأدخله الحراس الى القائد الذي صرف زوجته ليخلو لأسيره لكن ما ان
رآه حتى هب واقفا مرحبا طالبا من الحرس فك الأغلال أهلا بالفارس الأسمر عنترة بن شداد صاحب الصولات و الجولات
=اهلا بك ياعروة
و بعد الضيافة و الترحيب و الاستراحة بدأت جلسة تبادل الاسرار
و قال عنترة: هل لي أن أعرف سر هذا المعسكر و هل هو حقا معسكر الفتيان الذي نسمع عنه الذي يسعى في توزيع الغنائم على الفقراء.فأجابه عروة: هذا من الأسرار و لكنها ليست مما يحجب عن فارس مثلك يا عنترة
________________________________________
فأنت القائل
و لقد أبيت على الطوى و أظله ..حتى أنال به كريم المأكل
لقد صدق حدسك يا عنترة .أنت في معسكر الفتيان ,فأية رياح طيبة قادتك الينا
=أتشرف أن أكون بينكم . و لكن ما قادني هو الهموم .فقد عز علي أن أغير على مملكة النعمان لأسلبه مئة من النوق العصافير
= و لماذا أنت في حاجة الى حكيم العرب أسامة الشامي, الذي يقطن شمال الجزيرة على تخوم بلاد الشام فانه واجد لك حلا
و هكذا يمم عنترة شطر مضارب بني يعرب في شمال الجزيرة قاصدا شيخهم أسامة الشامي المشهور بلقب حكيم العرب.
و هناك استقبلوه على الرحب و السعة و بعد الضيافة و الاستراحة سمعوا منه قصته .فقال له أسامة الشامي: خذ هذا الصندوق من الدنانير الذهبية الخالصة فاشتر مئة من النوق العصافير مع رسالة مودة مني الى صديقي الملك النعمان
في قصر الملك النعمان في الحيرة .كان الحاجب يطلب الاذن بالدخول لعنترة فقال الملك للحاجب: و من أين قدومه.فرد الحاجب : انه يحمل رسالة من حكيم العرب أسامة الشامي.
فهب النعمان واقفا . و هو يختلس النظر الى رسول كسرى الذي وقف كالوحش الكاسر مما يوحي أنه يحمل رسالة تهديد للملك النعمان.
و قال النعمان : أدخله لأستعين برأيه على ما جاءنا من تهديدات كسرى .
دخل عنترة بن شداد فأظهر الاحترام للملك الذي رحب به و قال له : أهلا بك يا عنترة . انظر هذا رسول كسرى . و أشار للرسول ليقرا الرسالة
قال الرجل الذي يقف غير هياب لمجلس الملك و بصوت خشن: اعلم أيها الملك النعمان..أنك جزء من الدولة الكسروية و ما كان لك أن تحوز هذا الكم من السلاح الذي سمعنا أنك تحتفظ به في مخازنك
فسلمه في الحال الى الجيش الكسروي .و الا فان كسرى مضطر الى نزع سلاحك بالقوة.
فأجاب النعمان: اسمع يا هذا أنا النعمان بن المنذر بن النعمان بن ماء السماء. و قد سبق لكسرى أن قتل جدي النعمان تحت أرجل الفيلة.فكيف نأمن جانبه و نسلمه سلاحا هو الذي يردعه عن غزونا و القضاء علينا و بهذا السلاح ندافع عن الحيرة و عن قبائل العرب. و هذا فارس من فرسانها أسمح له بالرد عليك أيضا
فقال عنترة :اذهب الى كسرى فقل له ان أبطال العرب و صناديدها بانتظارك و ان شريعة الاستكبار و القوة و الاعتماد على فرقتنا لن تجدي نفعا .و يا أيها الملك النعمان أنا عنترة بن شداد فارس بني عبس أضع نفسي تحت امرتك
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
عنترة:أتأذن لي أيها الملك في استنهاض قبائل العرب لخوض المعركة ضد الاكاسرة
 
النعمان: و لكن عليك أولا أن توصل مهر عبلة الى عمك مالك بعد ان دفعت ثمن
 
النوق العصافير.
 
عنترة: سمعا و طاعة أيها الملك.
 
النعمان: لقد جاءت هذه النقود في وقتها يا عنترة و ستعينني على توزيع مكافآت على
 
القادة و الجند . سر على بركة الله.
و هكذا وصل عنترة الى قبيلته فهناه قومه على السلامة و أقيمت الأفراح و الليالي الملاح
و في اليوم التالي سار عنترة لاستنهاض القبائل. فكانت أول قبيلة حاول تحميسها هي قبيلة عمرو بن معدي كرب الذي شاور زوجته لميس في الأمر فقالت له
 
و حتام أيتها القبائل تغيرون على بعضكم و تنسون أعداءكم الحقيقيين
 
قال عمرو بن معدي كرب : أنتن أيتها النساء العربيات صاحبات دور أساسي في
حياتنا و مواجهتنا للصعاب و لكن أيضا دور أساسي في وحدة قبائل العرب
و في اليوم التالي خرج عمرو بن معدي كرب خطيبا في قبيلته و الى جانبه زوجته
 
لميس فألقى فيهم اولا قصيدته التي يقول فيها
 
و بدت لميس كأنها....بدر السماء اذا تبدا
 
و لما وصل الى قوله
 
كل امرئ يجري الى يوم الهياج بما استعدا
 
ردد القوم وراءه
 
كل امرئ يجري الى ....يوم الهياج بما استعدا
 
غير أن القياصرة و الأكاسرة لم يكونوا بعيدين عن التخطيط و التدبير
 
فقد جاءت رسالة الى قيصر من كسرى يقول فيها
 
ما رأيك أن تنقض من الشمال على الجزيرة في نفس الوقت الذي أهاجم فيه الملك
 
النعمان في الحيرة لنزع سلاحه
 
فرد عليه القيصر برسالة يقول فيها
 
بل انني أرسلت في طلب الامدادات من دول الأرض
 
ليحشدوا قوتهم في فلسطين قبل أن أنقض على الجزيرة و أنت تعلم أن قلوب نصف الدول تقريبا ميالة إلى كسرى فتعال بجيوشك إلى فلسطين مما يحمسهم على تلبية طلبي ثم ننقض كالوحوش على جزيرة الغزلان فنقتل شعبها و نسبي نساءها و نتقاسم خيراتها و هكذا استقر رأي الأشرار على خداع العرب فينما تحشد القبائل قواتها للدفاع عن الحيرة .كانت حشود المحتلين و من يدعمهم تتجمع في فلسطين و اجتمع القيصر إلى قادته يشاورهم فقال أحدهم : إن معسكر الفتيان يشكل خطرا حقيقيا علينا فدعنا نجعل العرب يهاجمون هذا المعسكر فلا نخاطر بجنودنا في مهاجمته.
فرد القيصر: و كيف نفعل ذلك و العرب يعتبرونهم من أبناء جلدتهم بينما نحن محتلون.
فقال المستشار: إن لنا صديقا في قبيلة نجيرين يدعى أبو طحين إن تعاونا معه أدى هذا إلى إزعاج خاصرة قبيلة بني يعرب و استطعنا الإشاعة أن هؤلاء الفتيان هم من الصعاليك الذين يهمهم السرقة فقط.صحيح أنهم يسرقون الآن من الروم.و لكن قد يسرقون غدا من العرب و نخرج بضع قيصريات من السجن فنلبسهن أحلى الثياب و نزوجهن لبعض شيوخ العرب على أنهن من الأميرات فيصبحن عيونا لنا على القبائل العربية و يسعين لبث الفرقة بينها استحسن القيصر رأي مستشاره و بدا على الفور بتنفيذ الخطة.
كان زعيم قبيلة نجيرين رجلا محبا للخير و يدعى الاخيطل و لم يكن يؤرقه سوى التفاف جزء من قبيلته حول أبي طحين . و لم يشك بعد زواج أبو طحين من قيصرية قيل أنها ابنة خال القيصر و كان لها اسم غريب : سكروجة .و كانت ذات قد مياس.
قالت سكروجة: هل ستوافق شيخ قبيلتنا الأخيطل في الانضمام إلى تحالف العربية ضد قيصر
رد ابو طحين:
 
و كيف افعل و زوجتي أميرة قيصرية و إنما سمي الأخيطل بهذا الاسم تصغيرا لشأنه و لفساد رأيه .هؤلاء العرب يدعون السلام ثم يسمحون لجماعة من الصعاليك أن يشعلوا نار الحرب بيننا و بين القياصرة
قالت سكروجة: تقصد معسكر الفتيان
قال أبو طحين: هؤلاء ليسوا فتيانا إنما صعاليك كما يسميهم القيصر العظيم
قالت سكروجة: فما رأيك أن أكون أنا مرسالك إلى قيصر
قال أبو طحين: و هو كذلك يا زوجتي الحبيبة منذ الغد انطلقي إلى قيصر و بصحبتك هذه الرسالة
 
تتسارع الأحداث تتالى المشاهد. الكل يخطط و يدبر . و الكل يستعمل دهاءه فالحرب خدعة.المخلص لوطنه يعمل من أجل حمايته.و توحيده. و الخائن العامل من أجل ثروته و مصلحته و لو على حساب وطنه تراه يعمل لاستثمار أجواء الحروب لزيادة ثروته و جاهه . فهذا أبو هند و هو ابن عم الملك النعمان طمع في الاستيلاء على عرش الحيرة
 
الملك النعمان اجتمع مؤخرا برسول حكيم العرب أسامة الشامي الذي نقل إليه ما وصله من معلومات عن تفاصيل الخطة التي أعدها القياصرة و الأكاسرة لاستغلال الحشود العربية لحماية الحيرة و تجمع الجيوش القيصرية و الكسروية في فلسطين للانقضاض منها على شمال الجزيرة العربية ثم الانطلاق في كل أرجائها بعد كسر خط الدفاع الرئيسي . لقد تم الاتفاق بين الملك النعمان و أسامة الشامي على أن يسير جند الملك النعمان بالحيرة في اتجاه مضارب بني يعرب لحشد الجيوش العربية في مواجهة حشود الأعداء . ووضع الملك النعمان في الحيرة
حامية صغيرة و انطلقت النوق العصافير تسابق الريح حاملة السلاح المخزن في اتجاه مضارب بني يعرب
حيث سيتم توزيعه على فرسان القبائل الذين تقاطروا للدفاع عن جزيرتهم .و لم يكن النعمان غافلا عن مؤامرات ابن عمه أبو هند فأرسل برسالة إلى زعيم قبيلة تغلب عمرو بن كلثوم و إلى زعيم قبيلة شيبان هانئ بن مسعود
 
أما أبو هند فركب حصانه و استعجل الوصول إلى قصر كسرى الذي استقبله أحسن استقبال و سأله عما يريده
فقال أبو هند إن الحيرة خالية إلا من حامية صغيرة فأرسلني على رأس كتيبة من المقاتلين المتوحشين .عفوا قصدت من المقاتلين الشجعان. فاني أستولي عليها و أعيدها إلى حضن الدولة الكسروية.فأجابه كسرى الى طلبه
و انطلقت الكتيبة الكسروية تمني النفس بإبادة الحامية الصغيرة في الحيرة .فما إن شارفت على أبواب الحيرة حتى انقض عليها فرسان هانئ بن مسعود من الشرق و فرسان عمرو بن كلثوم من الغرب. وأشرفت نساء الحيرة على المعركة من شرفات بيوت الحيرة و قصورها و هن يغنين قصيدة عمرو بن كلثوم
أبا هند فلا تعجل علينا ...................و أنظرنا نخبرك اليقينا
بأنا نورد الرايات بيضا..........و نصدرهن حمرا قد روينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي.........تخر له الجبابر ساجدينا
ودارت الرحى على الكتبة الكسروية و تبدد شملها بعد قتل معظم أفرادها و خاصة أن الفارس عمرو بن كلثوم قد ضرب قائدها أبا هند بالسيف فقتله. و عانق هانئ بن مسعود و ترافقا إلى قصر الملك النعمان حيث احتفلا بالنصر و هما يجيلان النظر في ورود شقائق النعمان في حديقة القصر و قد ازدادت حمرة و كأنها فرحة بالنصر أكثر منهما
 
 
سفانة جميلة الجميلات حسناء قبيلة طيء .أوعز والدها الى شاعر جوال أن يصف محاسنها لشيوخ القبائل عل أحدهم يخطبها فقال الشاعر في وصفها
 
سفانة في حسنها مثل القمر....شعرها ليل فما أحلى الليالي
عيون سفانة ..عيون المها.....و لها جيد...... كجيد الغزال
 
فأكرمه حاتم الطائي أيما اكرام .حاتم والد سفانة و شيخ طيء ذاع صيته بين القبائل بالكرم .فما باله لا يكرم شاعرا و يودعه أحسن وداع و هو يراه يمتطي ناقته و يتأبط ربابته و يتجه صوب قبيلة نجيرين ليصف حسن سفانة للأخيطل فقد كان حاتم معجبا بالشيخ الأخيطل لما يعرفه من جوده و شاعريته و فروسيته . و كان يعلم أنه ما زال عازبا و يفتش عن عروس تليق به
فطمع أن يكون الأخيطل صهرا له . و هكذا كان فما ان سمع الأخيطل شعر شيخ الربابة و هو لقب الشاعر الجوال.حتى فهم المقصود و ذاب غراما في حب سفانة .فما مضت الأيام الا و سفانة تزف اليه في احتفال بهيج وحد قلوب قبيلتين طيء و نجيرين
شيخ قبيلة آخر كان يفكر في الزواج . و قد نقلت أخباره سكروجة الى قيصر .و هو دريد بن الصمة شيخ قبيلة عروبة فقال لها : حديثيني عن دريد هذا هل هو متسلط على قبيلته
 
قالت سكروجة: لا بل المشهور توادده مع أبناء قبيلته عروبة و قد شاع عنه قوله
و ما أنا الا من عروبة ان غوت.....غويت و ان ترشد عروبة أرشد
 
قال قيصر: سيتغير رأيه هذا عندما نزوجه من ابنتنا جوتيم
ثم نادى القيصر على ابنته فدخلت أبهى من القمر .و أصفى من ماء الفرات
 
قالت سكروجة: حسنا يا سيدي القيصر سيتولى زوجي أبو طحين نقل رغبتكم الى دريد بن الصمة شيخ قبيلة عروبة
 
وصلت الأخبار الى أسامة الشامي في أن دريد بن الصمة استشاط غضبا حين عاد أخوه عبدالله بن الصمة خائبا من ديار بني سليم
فاستدعى اليه عنترة العبسي و عروة بن الورد العبسي على الفور
 
و قال : يا عنترة .اعلم أن شيخ قبيلة عروبة دريد بن الصمة قد خطب حسناء بني سليم الملقبة بالخنساء. و أنها رفضته و كان قد أرسل في طلبها أخاه الذي يحبه كثيرا و هو عبد الله بن الصمة
قال عنترة: فماذا كان ردها
قال أسامة الشامي: لقد رفضته و ردت أخاه خائبا و لعلها رأت في عدم قدوم دريد بنفسه تعاليا عليها. فتعالت هي عليه أيضا
و لم تكتف بهذا بل أعلنت على الفور زفافها على ابن عمها عباس بن مرداس
 
قال عنترة : قد تندلع الحرب بين قبيلة عروبة و قبيلة سليم بسبب هذه الحادثة
قال أسامة: انهض يا عنترة لوأد هذه الفتنة .فرسان العرب يقدرونك حق قدرك و لا يردونك خائبا. فهل حفظت وصيتي
 
أجاب عنترة:
 
و لقد حفظت وصاة شامي بالضحى
اذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
 
ثم ودعهم و ذهب . قال عروة : فهل من مهمة تكلفني بها يا حكيم العرب
 
قال أسامة: أنت يا عروة و فتيانك لا سلطة لي عليكم انما يجمعنا مصلحة الدفاع عن الجزيرة و انا واثق من حكمتك في تقدير الأمور و التصرف كما يجب .و لكني أريدك أن تحذر و تراقب جواسيس قيصر قلا شك أنهم الآن في مهمة معاكسة لمهمة عنترة و هي تأجيج النزاع بين قبيلة عروبة و قبيلة سليم
 
 
زار عنترة دريد بن الصمة فحدثه و قال له: اعلم يا سيد قبيلة عروبة , ان المخاطر تتهدد الجزيرة فهل أنت مستعد لضم قواتك الى تحالفنا لمواجهة جيش الأكاسرة و القياصرة .فقال دريد : أنا و قبيلتي تحت تصرف القيادة الموحدة للقبائل التي سمعت أتها تشكلت برئاسة أسامة الشامي شيخ قبيلة يعرب. و قد أنفذت أخي عبد الله بن الصمة اليه لانجاز الترتيبات اللازمة .فقال عنترة :ألن يحدث شجار بينكم و بين بني سليم .ضحك دريد و قال : لن يحدث يا عنترة لسببين أولهما أنك الفارس العربي الهمام تتوسط لعدم حدوث هذا الشجار و الثاني اني أعتبر الخنساء سيدة نبيلة .يحق لها أن ترفض خاطبها و تختار الزواج بمن تشاء و قد اختفى حبي لها و حل محله الاحترام.و هكذا نزل عنترة في ضيافة دريد بن الصمة و قد عزما على الصيد بعد انتهاء الضيافة.لكن أخرهما وصول أبو طحين حاملا رسالة من قيصر .قال أبو طحين: تعلم يا شيخ قبيلة عروبة أن زوجتي قيصرية و قد التقت في احدى زياراتها ابنة القيصر جوتيم و هي كالبدر في السماء و القيصر يرغب في تزويجها لك .قال دريد بن الصمة: شكرا لك على هذا العرض و يؤسفني أن أردك خائبا . و لكن بعد استضافتك .قال أبو طحين: لا حاجة لي الى الضيافة سأغادر.قال دريد بن الصمة: سلم لي على شيخ قبيلتكم الأخيطل .لم يتفوه أبو طحين بكلمة و خرج غاضبا.عند أسامة الشامي وضع عبد الله بن الصمة ترتيبات مشاركة قبيلته على جبهة المواجهة .ثم ودعه و خرج عائدا الى قبيلته و لكن ما كاد يتجاوز مراعي قبيلة يعرب حتى انقضت عليه كتيبة من الفرسان الملثمين و المسلحين بارماح و ليس معه سوى سيف استله لمواجهتهم فأردى أحدهم صريعا و أصيب هو بجرح في خاصرته.و لكنه تحمل و استمر في القتال و أخذت الرماح تتناوشه من كل جانب و أحس أن منيته دنت فصاح من حلاوة الروح آاخييي درييييد....
دوت الصيحة في أرجاء الصحراء و سمعها عنترة و دريد بن الصمة و قد كانا قريبين من المكان يصطادان ,فانطلقا على جواديهما و ما هي الا لحظات .و كانا في مواجهة الفرسان فكانا ليثين هصورين و سبعين كاسرين و ذاق المقنعون منهما الأمرين ففروا و ولوا الأدبار هاربين بعد أن خلفوا أربعة منهم في ساح المعركة هالكين . و انحنى دريد على أخيه يبكيه بالدموع الغاليات و هو يقول
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه
فلما علاه قال للباطل ابعد
غداة دعاني و الرماح تنوشه
كوقع الصياصي في النسيج الممدد
فطاعنت عنه الخيل حتى تبددت
و حتى علاني حالك اللون أسود
و أخذ دريد يهدد و يتوعد و فوجئ به عنترة و هو يقول:
أليس هؤلاء فرسانك يا عروة بن الورد
أليس هؤلاء هم صعاليكك
قال عنترة: ليس فرسان عروة بن الورد صعاليكا بل هم أنبل الناس و أشرفهم و هم يقاتلون عن العرب جميعهم .أما هؤلاء اللصوص المقنعون الذين قتلوا أخاك فأغلب الظن أنهم يأتمرون بأمر أبي طحين الذي يأتمر بدوره بأمر القيصر.
و كأن دريد بن الصمة قد انتبه من سكرته فقال : صدقت يا عنترة فقد رفضت الزواج من ابنة القيصر جوتيم.و لابد أنه اغتال أخي انتقاما مني.قال عنترة: انه يهدف أيضا الى تصفية معسكر الفتيان عتدما يحملك على الانقضاض عليهم.فيتخلص منهم قبل أن يهاجم الجزيرة .بعد أن خبر بطشهم و قوتهم و خاصة أن معسكر الفتيان قد درب كتيبة من الرماة المهرة .بحيث يقدر كل فرد منها على اقتناص مئة من الفرسان خلال ساعة من الزمن .فقال دريد بن الصمة : هل تتوقع اغتيالات أخرى .رد عنترة : أخشى أن يقدم أبو طحين على اغتيال الأخيطل و أن تسلم قبيلة نجيرين القياد له و تنحرف عن التحالف معنا.
 
كان شاعر الربابة يصغي بكل جوارحه الى اسامة الشامي حكيم العرب فقال اسامة: هل تستطيع ان تنفذ الى حيفا
قال شاعر الربابة: بصفتي شاعرا جوالا اعتقد انني استطيع النفاذ الى هناك
قال أسامة: اسأل عن هاني الحيفاوي و أخبره أن يشعل ثورته في اللحظة التي تحتدم فيها المعركة بيننا و بين تحالف القياصرة و الأكاسرة
قال شاعر الربابة: فان شكا لي نقص السلاح
قال أسامة: ان عشرة من الرجال الأشداء قد كلفهم عروة بن الورد بنقل السلاح الى حيفا على ظهر قافلة من النوق العصافير , على أنها قافلة ذاهبة لفلسطين لبيع الصوف و شراء الزيتون
وهكذا انطلق شاعر الربابة في مهمته و لم يؤخره في تنفيذها سوى أن قيصر لما علم بخبره طلب احضاره اليه و طلب منه أن يصف حسن ابنته جوتيم في الشعر فقال شاعر الربابة
جوتيم يا أحلى صبية
بالله كم أنت بهية
ترفلين في الثياب
في القصور القيصرية
الشمس قد أهدت اليك
ألوان شعر ذهبية
ثم انطلق شاعر الربابة الى مهمته حتى أداها على أكمل وجه
فوجئ أبو طحين و زوجته سكروجة بفرسان و حرس الأخيطل يهبطون عليهم و على جندهم كالصقور تنقض على فريستها و خلال أقل من ساعة كان جند أبو طحين في الوثاق
و أيضا شدوا وثاق أبا طحين و زوجته .قال أبو طحين: لماذا تعتدون على أبناء قبيلتكم .أجابه قائد الحرس: لقد كشفت خيوط المؤامرة التي تحيكها للاطاحة بالشيخ الأخيطل و الآن أيها الحرس فتشوا القصر جيدا بحثا عن الدليل
قال أبو طحين: عم تتحدثون أي دليل.أنا لا علم لي
ما كاد يتم كلامه حتى عاد الجند بعشرات الخناجر المسمومة
كانت حشود القبائل العربية تبهج النظر فهذا عمرو بن معدي كرب على رأس قبيلة زبيد و دريد بن الصمة على رأس قبيلة عروبة و عنترة على رأس قبيلة عبس
و ما كاد جيش القياصرة و الاكاسرة يبادر بالهجوم حتى انقضت عليه مئات السهام و قد أطلقها رجال عروة بن الورد من التلال المشرفة على ميدان المعركة فحصلت مقتلة عظيمة في صفوف المعتدين أتاحت المجال لفرسان العرب بالصولات و الجولات. و لله در عنترة كم جندل من الفرسان و عمرو الزبيدي كم أطاح بالمقاتلين فخورا بسيفه الصمصام
و انهزمت جيوش القياصرة و الأكاسرة و استمر زحف المقاتلين العرب الى حيفا حيث اجتمعوا الى هاني الحيفاوي و احتفلوا بالنصر و بتطهير فلسطين من القياصرة
انتهت بعون الله تعالى

« الصفحة السابقة  |  مشاهدة نتيحة 31من 31  |  الصفحة التالية »